السبت، 31 مايو 2014

كيف أفكر

لا يسعدني تشيع سني و لا تسنن شيعي و لكن يسعدني التوقف عن التكفير (كيف لا يسعدك تسنن شيعي؟ و توقفه عن تكفيره و سبه و لعنه للصحابة و أم المؤمنين و عصمة الأئمة و زواج المتعة التقية و خرافات و مهازل الاحتفال بعاشوراء التي يهاجم بسببها الإسلام في كل مكان، صدمني هذا الكلام لأن الحسنة الوحيدة من وجهة نظري في طرح حضرتك هي أنها وسطية بين مغالاة أهل السنة في تبجيل كل الصحابة بلا فرق بين كبارهم و صغارهم و بين مغالاة الشيعة في تكفيرهم كلهم إلا حفنة قليلة منهم مما يؤدي لاعتدال موقف الشيعة إذا سمعوا حضرتك بهذا الطرح الوسطي المعتدل. أهـ 

اصارحك بما أنطوي عليه بخصوص هذه القضايا ـ و الصراحة طبعي الذي لا اداوره و لا اتقيه رغم كبير ما يكلفني ـ : ان ادراكي لما يعانيه المسلمون في عصرنا هذا من انغلاق فكري و تعصب مذهبي و طائفي رأينا بعض عواقبه و عقابيله المُرّة الباهظة في شكل مجازر و تفجيرات متبادلة و تراشق بتهم التكفير و التفسيق و التحريض على الآخر المِلّيّ بطرق شتى لا ينقصها الفجور و الحقد و التزييف , حتى صرنا نخشى ـ والارهاصات كثيرة ـ ان يتسع الخرق على الراتق فيستحيل هذا الانغلاق و ذاك التعصب احترابا داميا مفظعا رهيبا لا يبقي و لا يذر , ويكون المستفيد الوحيد من ذلك العدو المتربص بأمتنا المكلومة المحروبة , ثم يتأدى هذا كله في نهاية المطاف بابنائنا و بناتنا الآملين في مستقبل اسعد و آمن و اكثر تفتحا و تحضرا الى الشك في الدين جملةً , و لا يخفاكم ان شيئا من هذا يتبلور الان و العياذ بالله , فما أقدره ان ما تمس اليه حاجة امتنا في ايامنا هذه ليس التبشير و ارادة هداية الاخر بتحويله الى ما يعتقد كل طرف انه الحق الابلج , فهذا هو بالضبط ما يمكن استغلاله في الوقت الراهن لرفع حدة التوتر بين الاطراف المختلفة الى حد بلوغ درجة الانفجار , لكن ما تحقّ اليه الحاجة هو العمل على التقريب و الملاينة و المسامحة و مراجعة كل طرف ما عنده بانصاف و جسارة تخدم الحقائق بدل ان تغمض عليها و تكابر فيها, و ما ارجوه ـ و قد صرحت به على المنبر غير مرة ـ هو ان يبادر السني الى مراجعة مواريثه بصدق و جرأة بشكل اولي رئيس و ان يكون تعرضه لمواريث اخوانه الشيعة امامية كانوا ام زيدية و غيرهم ايضا كالاباضية مثلا بشكل ثانوي رفيق , و في المقابل ان يقوم الشيعي مثلا بمراجعة تراثه بعين ناقدة و نية صادقة بشكل رئيس و ان يعرض لما عند اخوانه السنة بشكل ثانوي يعتصم فيه بحبوة الادب و الانصاف , و قد قرأنا عن الامام سفيان الثوري رحمه الله انه كان اذا اتى البصرة اظهر فضائل علي عليه السلام و مناقبه , و ذلك لانحراف البصريين عن الامام و مغالاتهم في عثمان , و اذا اتى الكوفة اظهر فيها فضائل عثمان و مزاياه رضي الله عنه و ذلك لما يعرفه من غلو الكوفيين في الامام و انحرافهم عن ذي النورين , و هذا من الحكمة التي من يؤتها يؤت خيرا كثيرا.بقي ان اقول بعد هذا : لكل احد ـ وهذا حاصل بطبيعة الامور , فهو من مقولة الخبر لا الانشاء ـ ان يعتقد ان الحق في جانبه و انه به اسعد و احظى من غيره , لكن هذا ليس يكفي لقطع الحكم في واقع الامر , و انما يجب ان نصطنع طريقة الحوار و الجدال بالتي هي احسن بين العلماء و اهل المعرفة و الدراية من اعلام الفرق المختلفة , لتمييز الخاثر من الزباد و الضلال من الرشاد , و ما احسن ما قال العلامة شيخ الاسلام الطاهر بن عاشور : للمسلم أن يكون سنيا سلفيا أو أشعريا، أو ما تريديا وأن يكون معتزليا أو خارجيا أو زيديا أو إماميا. وقواعد العلوم وصحة المناظرة تميز ما في هذه النحل من مقادير الصواب والخطأ، أو الحق والباطل ولا نكفر أحدا من أهل القبلة.( في كتابه اصول النظام الاجتماعي في الاسلام)و من قبله قال الامام المجتهد الذي شهد له الشوكاني في البدر الطالع بالاجتهاد المطلق مهدي بن صالح المقبلي في العلم الشامخ في ايثار الحق على الاباء و المشائخ :
إني لست بمعتزلي ولاأشعري، ولاأرضى بغير الانتساب إلى الإسلام ، وصاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام ، وأعد الجميع إخوانًا ، وأحسبهم على الحق أعوانًا .أهـ ثم ليس بصادق من كان منتحلا نحلة او ذاهبا مذهبا عن قناعة ورضا ان زعم انه لا يحب لغيره ان يوافقه في نحلته و مذهبه , و هذا معلوم لكل احد , فحقيقة قولي ذاك اني لا احبذ منطق التبشير هذا في الوقت الراهن بالمعنى الحاصل و الطريقة الجارية للاسباب التي نوهت بذكرها , و اني ادعو الى ترك الفصل في مسائل الخلاف لحوار الكبار المقتدرين لا الصغار العابثين و لا ذوي النوايا و الاغراض من المدفوعين و المدخولين , و الله من وراء قلب كل امرئ و لسانه.


Copyright @ 2013 تأملات.